قضية رأي عام

«مظهر شاهين » بيانٌ بشأنِ تصريحاتِ الدكتورِ عماد جاد حولَ رئاسةِ الجامعةِ العربيّة

الأحد 8 يونيو 2025 04:06 صـ 11 ذو الحجة 1446 هـ
مظهر شاهين
مظهر شاهين

بيانٌ بشأنِ تصريحاتِ الدكتورِ عماد جاد حولَ رئاسةِ الجامعةِ العربيّة

تابعتُ باهتمامٍ ما صرّحَ به الصديقُ العزيزُ الدكتورُ عماد جاد، الذي أكنُّ له كلَّ التقديرِ والاحترام، وأعلمُ أنَّه لا يبتغي من طرحِه إلّا ما يراه نافعًا للصالحِ العام. وقد أشارَ الدكتورُ عماد إلى أنَّ رئاسةَ جامعةِ الدولِ العربيّة ينبغي أن تنتقلَ إلى المملكةِ العربيّةِ السعوديّة، باعتبارِها مَنْشأ العربِ الأصلي.

ورغمَ ما في هذا القولِ من وجاهةٍ ظاهريّة، فإنَّه ينطوي على تلميحٍ غيرِ مباشر، يُعيدُ تعريفَ الانتماءِ العربيِّ على أُسُسٍ عِرقيّةٍ أو جغرافيّة، لا على أُسُسِه الحضاريّةِ والثقافيّةِ واللغويّة، وهو ما يحملُ تبِعاتٍ خطيرةً على حاضرِ الأمّةِ العربيّةِ ومستقبلِها، ويُضعفُ من دورِ مصرَ القيادي، ويُوحي – ولو دون قصدٍ – بأنَّها ليست عربيّةَ الأصل، بل طارئةٌ على هذا الانتماءِ.

نُؤكِّدُ أنَّ العروبةَ ليست نَسَبًا ولا موطنًا جغرافيًّا، وإنّما هي انتماءٌ حضاريٌّ، ولسانٌ، وثقافة. ومصرُ التي تبنّتِ العربيّةَ منذ فجرِ الإسلام، لم تكنْ مجرّدَ تابع، بل كانت قائدًا، وصانعًا، ومُجدِّدًا. ولعبتْ دورًا محوريًّا في حمايةِ الهُويّةِ العربيّة، والدِّفاعِ عن قضايا الأمّة، وفي مُقدِّمتها قضيّةُ القُدسِ الشريف، وكانتْ وستظلُّ صمّامَ الأمانِ للأمنِ القوميِّ العربي، وصوتَ العقلِ والرِّيادةِ في المحافلِ الإقليميّةِ والدوليّة.

وحتى لو تولَّت المملكةُ العربيّةُ السعوديّة – وهي دولةٌ شقيقةٌ نعتزُّ بها – رئاسةَ الجامعةِ العربيّة، فليكنْ ذلك من بابِ التدويرِ المؤسّسي، أو لاعتباراتٍ مرحليّة، لا على أساسِ “أنّها الدولةُ التي جاءتِ العروبةُ من أرضِها”، فذلك مدخلٌ بالغُ الخطورة، يُعيدُ تعريفَ الانتماءِ العربيِّ على أُسُسٍ جغرافيّة، تُقصي دُوَلًا تاريخيّةً كُبرى – وعلى رأسِها مصر – ويُهدّدُ وحدةَ الصّفِّ العربي، ويُكرِّسُ تصنيفاتٍ تُجزِّئُ الأمّةَ وتُضعفُها.

ختامًا، نُؤكِّدُ أنَّ مصرَ ليستْ مجرَّدَ جُزءٍ من العالمِ العربي، بل مركزُهُ الحضاري، ورائدتُهُ التاريخيّة، وهي الأحقُّ دائمًا بريادةِ هذه الأمّة، لا بريادةِ جامعتِها العربيّة فحسب، لما قدّمته عبرَ تاريخِها الطويل من تضحياتٍ وإنجازاتٍ لقضايا الأمّةِ المصيريّة، وفي مقدِّمتِها قضيّةُ القُدسِ الشريف. وإنَّ أيَّ محاولةٍ للنَّيلِ من هذا الدّورِ أو تقليصِه، هي طعنٌ في وحدةِ الأمّة، وتفريطٌ في هُويّتها ومستقبلِها. فمصرُ كانتْ وستبقى ركيزةَ المشروعِ العربي، ودِرعَهُ الحامي، ولن تسمحَ بتحويلِ العروبةِ من هُويّةٍ جامعة، إلى خرائطَ بديلةٍ تُهدِّدُ الكيانَ وتُفَتِّتُ الوجدان.

د. مظهر شاهين

إمامٌ وخطيبُ مسجدِ عمر مكرم

8 يونيو 2025م