الخميس 5 يونيو 2025 06:42 مـ 8 ذو الحجة 1446 هـ
قضية رأي عام
رئيس مجلس الإدارة هشام ابراهيم رئيس التحرير محمد صلاح
×

أيام التشريق.. شعائر متواصلة وقلوب معلّقة بالسماء فى خيام منى

الثلاثاء 3 يونيو 2025 05:00 مـ 6 ذو الحجة 1446 هـ

مع شروق شمس يوم الحادي عشر من ذي الحجة، يدخل حجاج بيت الله الحرام في مرحلة جديدة من رحلتهم الإيمانية، تُعرف بأيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم النحر، وتمتد حتى نهاية اليوم الثالث عشر من الشهر الهجري، وفيها يواصل الحجيج أداء مناسكهم في أجواء من الطمأنينة والتأمل والدعاء.

أيام التشريق ليست مجرّد امتداد شعائري، بل لحظات مكثفة من العبادة، يبيت فيها الحجاج في منى، ويرمون الجمرات الثلاث بدءًا من الصغرى ثم الوسطى فالكبرى، حيث يتدفق الحجيج بعد الزوال إلى مشعر الجمرات في مشهد مهيب يعبّر عن الانقياد والطاعة لله، واستحضارًا لقصة النبي إبراهيم عليه السلام حين رمى الشيطان وتحدى وساوسه.

تتحول منى في هذه الأيام إلى مدينة نابضة بالحياة، تكسوها الخيام البيضاء وتنتشر فيها مراكز الإرشاد والرعاية الطبية والخدمية، وسط تنظيم دقيق يراعي حركة الحجيج واحتياجاتهم، خاصة كبار السن وذوي الإعاقة، الذين يجدون في كل زاوية يدًا تمتد لمساعدتهم، وقلوبًا تتسابق في العطاء.

في قلب المشهد، تظهر ملامح التعب الجسدي على وجوه الكثيرين، لكن لا أحد يشتكي، بل تلمح في العيون بريق الرضا، وفي الكلمات تكرارًا مستمرًا للتكبير والتحميد والتسبيح، وهي الشعائر التي تملأ أرجاء منى خلال هذه الأيام، حتى وُصفت أيام التشريق بأنها "أيام أكل وشرب وذكر لله".

ويُسنّ للحاج خلال أيام التشريق أن يبيت في منى ليلتي الحادي عشر والثاني عشر، ثم يرمي الجمرات الثلاث في كل يوم بعد الزوال، أما من تعجّل في يومين فيجوز له مغادرة منى بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر، بشرط أن يغادر قبل غروب الشمس، فيما يظل من أراد التكميل إلى اليوم الثالث عشر، وهو الأفضل لمن استطاع.

تسير حركة الحجاج داخل مشعر منى بتنظيم لافت، بفضل جهود الجهات السعودية المختصة، التي سخّرت إمكانات هائلة لضمان انسيابية الأداء والتنقل، مع توفير المياه الباردة ونقاط التوعية والمظلات ومناطق الاستراحة، فضلًا عن المتابعة الأمنية والطبية التي لا تغيب لحظة واحدة.

ويُلاحظ هذا العام تطور كبير في الخدمات التقنية، حيث تستخدم تطبيقات ذكية لإرشاد الحجاج إلى مواقع الجمرات، وتقديم معلومات لحظية حول كثافات السير، مما ساعد في تجنب التزاحم وسهّل على الحجاج أداء المناسك بهدوء وسلاسة.

بين لحظة رمي الجمرة وترديد التكبير، وبين خيام منى وأحاديث الليل في ذكر الله والدعاء، تمضي أيام التشريق ثقيلة على الجسد، خفيفة على القلب، بما فيها من روحانية ومغفرة وفرصة لتجديد العهد مع الله.